ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات..بقلم : أ.د.أحمد منصور الخصاونة - رئيس جامعة إربد الأهلية

مقالات ودراسات: ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات..بقلم : أ.د.أحمد منصور الخصاونة - رئيس جامعة إربد الأهلية

تاريخ النشر: 
2023.09.02 - 2:30 pm

أصبحت ظاهرة إطلاق العيارات النارية ظاهرة تؤرق المجتمع المدني الحديث، وإن دور مؤسسات المجتمع المدني ومنها الجامعات يتأتى من خلال نشر الوعي الثقافي وعقد المحاضرات وورش العمل والتثقيف بمخاطر إطلاق الأعيرة النارية، وزيادة الوعي القانوني لدى المجتمع وبيان العقوبات الجزائية نتيجة هذه الأفعال، وتفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة، وذلك بنشر مخاطر ومساوئ إطلاق الأعيرة النارية.

إن من أحد أخطر الظواهر السلبية في المجتمع ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات الإجتماعية، إذ أنها تشكل خطراً جسيماً تحدق بسلامة الإنسان والممتلكات العامة والخاصة على حدٍ سواء، ولقد لوحظ مؤخراً ازدياد استخدام الأفراد للأعيرة النارية في الأفراح والمناسبات كأفراح النجاح في الثانوية العامة، والتخرج من الجامعات، وعند عقد الزواج، وفي الأعراس وغيرها، والتي بدورها حولت أفراحنا إلى أتراح نتيجة إزهاق أرواح بريئة وإحداث إصابات وعاهات جسدية ترافق الشخص الذي تعرض لها مدى الحياة جراء الرصاصات المتطايرة والمرتدة ومسببة في ذات الوقت مشاكل اجتماعية هم في غنى عنها (بين أهل المصاب ومطلقي الأعيرة النارية)، وأقل الآثار التي ترافق إطلاق الأعيرة هو إقلاق الراحة العامة للمجاورين وعدم مراعاة المرضى وكبار السن وإثارة الخوف والرعب في نفوس الأطفال، وناهيك عن تذكير صوت إطلاق الأعيرة لبعض اللاجئين الذين يسكنون في المجتمعات بأصوات مرعبة بالنسبة لهم بسبب ما شهدوه في بلادهم من مظاهر حرب.

إن إطلاق الأعيرة النارية يعتبر عادة سيئة توارثتها المجتمعات من الأهل والأجداد، فقد كان الناس يسكنون في قرى صغيرة جدًا، ومتناثرة بيوتهم، وأما المدينة والقرية الآن أصبحت مكتظة السكان، وأن الرصاص المتطاير والمرتد على الأرض يأخذ سرعة الرصاصة وقت الإطلاق، يمكنه أن يخترق أجساد الضحية أينما أصابها، محولة إياهم إلى جثث أو أجساد ذات إعاقة، أضف لذلك أي ضرر مادي في الممتلكات، وكل ذلك اعتقاد من مطلقها أنه يُدخل البهجة والفرح إلى النفوس أو يزيد شعورهم بالفخر والاعتزاز بالذات والتباهي أمام المجتمع، مع عدم مراعاة القوانين والأنظمة التي تحظر هذه الأفعال وضاربين بعرض الحائط الشرائع السماوية وما تحرمه من أفعال تودي إلى التهلكة، وكل ذلك على حساب أرواح بريئة لا ذنب لها سوى أنهم كانوا متواجدين في شرفات أو ساحات منازلهم.

وهنا يجدر بالذكر دور الحاكم الإداري في تطبيق القوانين والأنظمة الرادعة واتخاذ جميع الإجراءات القانونية بحق مطلقي الأعيرة النارية المستهترين، إذ أن للحاكم الإداري دور مهم في إجراءات الحفاظ على الأمن ومنع وقوع الجرائم، ولامتلاكه السلطة لاتخاذ جميع الإجراءات والاحتياطات الأمنية اللازمة، وأيضًا ضمن صلاحيات الحاكم الإداري توقيف مطلق النار وصاحب الفرح أو العريس وإلغاء الحفل ومصادرة جميع الأسلحة، بالإضافة إلى أخذ التعهدات اللازمة من أصحاب الفرح قبل موعده بالامتناع عن إطلاق الأعيرة النارية وتحميل العريس ووالده المسؤولية عن ذلك ضمن إجراءات حازمة وواضحة.

ونحن في الجامعات ندعوا إلى دعم مشروع قانون جديد للأسلحة والذخائر والذي يهدف أولاً الى تغليظ العقوبات على مطلقي الأعيرة النارية بدون داعي او سبب قانوني، ومنع ترخيص الأسلحة الأوتوماتيكية ووضع أسس جديدة لموضوع اقتناء وحمل الأسلحة.

و من ناحية دينية تبين الحرمة الشرعية ووفقاً لما صدر عن دائرة الإفتاء العام في فتوى بحثية مفادها عدم جواز إطلاق الأعيرة النارية في الهواء بمناسبة الأفراح وغيرها من المناسبات، للأسباب التالية: لما فيه مِن تخويف وأذى للمسلمين، فقد حدث كثيراً أن بعض هذه الطلقات أصابت بعض الناس عن طريق الخطأ فأدت إلى وفاتهم أو جرحهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن حمل السلاح مكشوفاً خشية أن يؤذي المسلمين عن طريق الخطأ، ونهى عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم خشية أن تزل يده بنَزْغٍ من الشيطان الرجيم، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلاً ويتسبب بأذى المسلمين؟! قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ، والعتاد الذي يُستهلك إنما صُنع للدفاع عن الدين والوطن والمواطنين، فلا يجوز استعماله بهذه الطريقة العبثية البعيدة عما خلق هذا السلاح من أجله، واستعمال النعمة في غير ما خلقت له هو من كفران للنعمة، ولقد نهى ولي الأمر عن إطلاق النار في المناسبات، وإذا نهى ولي الأمر عن مباح فلا يجوز فعله، فكيف إذا نهى عن هذه الأمور وفيها من المخاطر ما ذكرنا.

وهنا لابد من التأكيد على دور الجامعات والمساجد ووسائل الإعلام المختلفة والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في مكافحة هذه الظاهرة الخطرة التي تعكس للأسف صورةً سلبية عن مجتمعنا الأردني الواعي، وذلك عبر نشر الوعي الثقافي من خلال عقد المحاضرات وورش العمل والتثقيف بمخاطر إطلاق الأعيرة النارية، وزيادة الوعي القانوني لدى المجتمع وبيان العقوبات الجزائية نتيجة هذه الأفعال، وذلك بنشر مخاطر ومساوئ إطلاق الأعيرة النارية في مناسباتنا الاجتماعية.