المرحوم الدكتور احـمـد مـفـلـح الحوراني 1942- 2016

اعلام اكاديمية: المرحوم الدكتور احـمـد مـفـلـح الحوراني 1942- 2016

تاريخ النشر: 
2021.01.15 - 12:00 am

من الصعب اختزال شخصية رجل استثنائي في كل مفاصل حياته في سطور .. فالمرحوم الدكتور احمد مفلح صالح الحوراني كان استثنائيا في نشأته وطفولته وشبابه ومسيرته التعليمية والمهنية و حياته العملية والاجتماعية وحتى الشخصية منها.. كان قامة وطنية عربية اصيلة جمعت بين العبقرية الفذة والإرادة التي لا تعرف المستحيل .. شخصية جمعت بين العناوين الثلاثة" الأكاديمي، رجل الأعمال، الإنسان" التي غلبت على مختلف مراحل حياته .. كان رائدا من رواد العلم والاقتصاد والإدارة .. انسان عصامي بدأ من الصفر وبنى امبراطورية علمية اقتصادية بفكره النير وادارته الناجحة وتعبه وجهده مؤمنا بان تذليل المعوقات سبيل إلى النجاح، وأنّها لا يجوز أن تقف حائلاً دون تحقيق المنجزات في مختلف الميادين.
الدكتور احمد الحوراني لم يجد كنزا ليصل الى ما وصل اليه .. الكنز كان موجودا بداخله في عقله وفكره وارادته وحسن ادارته ومغامرته المحسوبة !!

كان المرحوم رقما صعبا يحضر اسمه عند الحديث عن الكبار الكبار الذين احدثوا فرقا واختلافا نوعيا في الحياة .

وبين رجال الأعمال قاطبة تميز الراحل الحوراني، بتنوع خبراته ومعارفه وثقافاته، فتجده تارة الأستاذ والموجه، ثم تراه المبدع في الاستثمار المالي والمصرفي، كما حقق تألقاً غير مسبوق في مجال التعليم والتعليم العالي ، فهو المؤسس لجامعة عمان الأهلية التي باتت أحد العناوين الكبيرة الدالة على تفرده وقوة إرادته وتميزه في قطاع وطني حيوي أسهم في رفد جهود التنمية والتحديث على مستوى المملكة الأردنية الهاشمية خاصة، والدول العربية عامة.

من أقواله... نبدأ سيرة ومسيرة حياته

النشأة والطفولة
يقول المرحوم الدكتور احمد الحوراني في مذكراته بأسلوب قصصي رائع : ولدت في قرية زراعية "باقة الشرقية" إلى الشمال من مدينة طولكرم في أسرة زراعية لوالد هو الحاج مفلح الحوراني كان يعتمد على زراعة الأرض وفلاحتها تساعده أسرتي المكونة من والدتي وهي عاقلة محمد كتاني وخمس بنات حيث وجدت نفسي محاطاً بنوع خاص من الرعاية والأهمية لأنني أول طفل ذكر للأسرة وكانت أمي هي الزوجة الثانية لابي "تزوجها كما علمت لخلافات دبت بينه وبين زوجته الأولى التي أنجبت البنات فقط " ولهدف إنجاب الأبناء الذكور وقد تحقق له ذلك وكنت باكورة الإنتاج في السابع والعشرين من كانون الأول من العام 1942 وثلاث أطفال ذكور وأنثى من والدتي وهم الدكتور أديب، والأستاذ محمد، والدكتور عايد والاستاذة ناديا .

وحياتي في الطفولة قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية للقرية كانت في بيت مبني من الطين والحجر يشتمل على أمكنة لخزن الحبوب والتبن لغذاء الإنسان والحيوان والبيت نفسه مخصص للوفاء بحاجات الأسرة المعيشية والنوم .ويشتمل في داخله على مصطبة (مكان عال) للنوم والجزء الآخر مكان منخفض مخصص لنوم بعض الحيوانات التي تملكها الأسرة في الشتاء كالحصان والحمار ورأسين أو ثلاثة من الغنم وذلك لتلبية احتياجات الأسرة فالحصان لحراثة الأرض والحمار لتنقل والدي واستخدامه في قضاء الحاجات المتعددة والغنم بهدف إنتاج الحليب وإنجاب جدي أو اكثر لذبحه في عيد الأضحى . وتلاصق البيت المذكور غرفة مبنية من الحجر والأسمنت كانت تستخدم كغرفة نوم للوالد والوالدة واستقبال الضيوف وغالبا ما يكونون من الأقارب أو أهل القرية أو القرى المجاورة حيث يعرف الناس بعضهم بعضا وكانت حياة الناس ومعيشتهم متشابهة لدرجة كبيرة فالغذاء يكاد يكون موحدا للجميع فالعدس هو سيد الأطعمة بدون منافس وكان يطبخ بأشكال متعددة وخاصة في فصل الشتاء وفي فصل الصيف كانت الخضراوات أما اللحم فكان يوما في الأسبوع وغالبا ما يكون يوم الجمعة لان الجزار في البلد يمارس عمله يوم الجمعة ناهيك في بعض الاحيان عن تناول الدجاج أو الحمام أو الأرانب وكانت الأسرة تتولى تربيته وانتاجه . أما اللباس فكان بسيطا لايتعدى لباس أصيل وبديل وحذاء واحد للسنة كلها يتم شراؤه قبل العيد ومعظم أوقات اللعب كانت بدون حذاء ... وفي سن مبكرة وعمري لايتعدى الست سنوات كنت أساعد الأسرة في أعمال يصعب على الكبار في وقتنا ممارستها فمثلا كنت اذهب لاطحن القمح ليصير دقيقا في قرية قريبة تبعد كيلو مترين عن قريتي كان يضع والدي شوالا من القمح على الحمار واذهب إلى وابور الطحين وانجزه واعود وكنت احتج على هذا العمل واقول لوالدي لماذا لايذهب أخي الأصغر لاداء هذا العمل فيقول لي أنت اشطر منه واقدر على إنجاز العمل وكنت اعتقد أن هذا التصرف ضد راحتي ونوع من التمييز ضدي ولاشك أن مثل هذه الأعمال ساعدت في تكوين شخصيتي .

وكنا ننتظر العيد ونفرح لمجيئه لانه كانت هناك أضحية وعيدية الأقارب كبار السن وكنت اجمع في العيد قروشا قليلة استخدمها في شراء ماكنت أتمناه أيام السنة الكثيرة أما مناسبات الزواج التي كانت تحدث في القرية أو القرى المجاورة فكنا نذهب إليها للاستماع إلى الفولكلور السائد " الحداء " حيث يتبارز اثنان من شعراء الشعر الشعبي ويتخذ كل واحد منهما موقفا معارضا للآخر وينقسم المتفرجون بين مشجع لهذا أو ذاك حتى تنتهي الحفلة ونعود إلى البيت ... وكانت حياة الناس متشابهة إلى حد بعيد فأكلهم متشابه ولباسهم كذلك تقريبا وامالهم متشابهة ومساكنهم كذلك . لذلك ساد ما يسمى "بهدوء البال والنفس" فمع قلة ذات اليد الا ان الناس متحابين يحنون على بعضهم بعضا والتنافس محدود جدا ويساعد على ذلك الايمان الفطري المستوطن بالنفوس فقد كان والديَ متدينين يؤديان الشعائر الدينية باوقاتها وسلوكهما منسجم مع المعتقدات الاسلامية بدون تطرف أو تعصب ، فالصلوات تؤدى باوقاتها والصيام والزكاة علاوة على الحج "حيث حج والدي ولي من العمر عشر سنوات" وصلة الارحام التي كان يحضنا عليها والدي دائما وقد تشربت هذه الاخلاق والصفات ومنحتني المحبة الكبيرة من الأقارب والمعارف.

المدرسة
ويضيف المرحوم قائلا : قبيل دخولي المدرسة حدثت النكبة الفلسطينية عام 1948 واحتلت إسرائيل جزءا من فلسطين وتم تهجير جزء كبير من سكانها وقد حصلت قريتنا على جزء منهم وكان نصيب بيتنا عددا من تلك العائلات فاصبح المنزل يعج بالناس واشتغل اللاجئون وخاصة الذين لا مال لديهم كعمال زراعيين أو في أعمال البناء وكانت لديهم همة ونشاط في العمل فاق أهالي البلد فبدأت تتحسن أوضاعهم .

وفي هذه الفترة التحقت بالمدرسة الابتدائية في القرية وكنت نابها وجريئا لدرجة كبيرة مما جلب علي حنق وغضب المدرسين فكان الضرب بالعصا الوسيلة الوحيدة للتعلم فكرهت المدرسة وبعد أن كنت من أوائل التلاميذ في السنين الأولى والثانية أصبحت ارسب في بعض المواد إلى أن رسبت في السنة الخامسة الابتدائية واعدت السنة وبدأت اهرب من المدرسة ولا ارغب بالدراسة فالمدرسة كانت سجنا والذهاب إليها يعني الألم والمعاناة إلى أن أنهيت المرحلة الابتدائية وذهبت إلى الدراسة في قرية مجاورة لاستكمال المرحلة الإعدادية حيث كنت اذهب مشيا حوالي ست كيلومترات ذهابا وإيابا واحيانا نركب الباص وكان الشتاء بالنسبة لي معاناة حقيقية فصممت على ترك المدرسة ولكن والدتي استخدمت دهائها في منعي من تحقيق رغبتي يدفعها إلى ذلك حبها لي ورغبتها أن تراني متعلما كبقية أقراني وتعدني بان تسمح لي بممارسة العمل الذي احب بعد الثانوية عكس والدي الذي لم يمانع إطلاقا في ترك المدرسة حيث كان يخاطبني بقوله عندما تترك المدرسة فانك تساعدني في العمل للإنفاق على العائلة وان دراستك هي لنفسك ولا استفيد منها شيئا بل هي عبء أتحمله .

ولكن إصرار والدتي على استكمال تعليمي منعني من ترك المدرسة وخلال المرحلة الابتدائية تحسن وضع والدي المالي فبنى بيتا جديدا من الحجر والأسمنت مكون من خمس غرف فشعرت بتحسن المستوى المعيشي ولكن أسلوب الحياة في المنزل كان يتغير ببطء شديد مما جعلني أصر على موقفي بترك المدرسة للعمل على تحسين أوضاعنا.وأنهيت المرحلة الإعدادية بعد طول عناء ولم اذكر أنني نجحت في سنة من سنواتها بدون إكمال في بعض المواد التي كنت أتقدم للامتحان فيها قبل بدء المدرسة واحصل على علامة النجاح لارتقي إلى الصف الأعلى ، بعد ذلك انتقلت إلى مدينة طولكرم للالتحاق بالثانوية بعد حصولي على خمسة دنانير كانت والدتي توفرها مقابل تقليل بعض احتياجاتها وذهبت إلى المدينة ووجدت فيها حياة مريحة بالمقارنة مع القرية فبدأت انسجم مع الدراسة وحسن تحصيلي وحصلت في نهاية السنة على نجاح بدون تقصير في أي مادة حيث انتقلت إلى الصف الأعلى وفي نهايتها تقدمت لامتحان الثانوية العامة (المترك) وهو اقل من التوجيهي بسنة واحدة ولكنه يؤهل للقبول في بعض الجامعات حيث كانت تقبل به جامعة دمشق خلافا للجامعات المصرية التي كانت تشترط دراسة سنة إضافية للحصول على التوجيهي

الجامعة
ويتابع حديثه عن التحاقه بالدراسة الجامعية : فضلت في هذه الحالة الذهاب إلى دمشق للدراسة في جامعتها لانها توفر سنة وكان ذلك عام 1960 ومما يجدر ذكره أن الأحوال تحسنت كثيرا في الستينات ويعود ذلك إلى التحسن في أساليب الزراعة المروية نظرا لاستخراج الماء من الأرض بواسطة الآبار الارتوازية وكذلك ذهاب الكثير من العمال والمعلمين للعمل في الكويت والسعودية حيث أنعشت تحويلاتهم أسرهم ونظرا لنجاحي في الثانوية أقام أهلي احتفالات استمرت لثلاثة أيام حيث كان الناس يقدرون العلم والمتعلم وبدأت بعد ذلك الاستعداد لاستكمال دراستي الجامعية وكان السبب باختصار وهو المرتبة والراتب الاعلى التي سأحصل عليهما والاهم من ذلك رغبة والدتي الشديدة في الا اكون اقل من اقراني ووقع اختياري على جامعة دمشق حيث لم تكن توجد جامعة في الأردن والان يأتي اختيار نوع الدراسة فقد اخترت كلية الآداب/قسم التاريخ لسببين الأول اعتزازي بتراث أمتي ودراسة تاريخ الأمم وحضارتها والسبب الثاني هو أن العمل المتاح في ذلك الوقت هو معلم في وزارة التربية والتعليم حيث كان الطلب شديدا على المعلمين في داخل الأردن والخليج .

ذهبت للدراسة في جامعة دمشق وغادرت القرية يومها ويتنازعني إحساس مؤلم لمفارقة أهلي وقريتي واحساس بالنشوة والفرح لذهابي إلى مدينة دمشق للدارسة في جامعتها وكنت اسمع أيامها عن دمشق وجمالها والحياة المريحة فيها وأصبحت أتردد على الجامعة لتلقي المحاضرات وكنت مجدا في دراستي حتى أحقق النجاح الذي يرضى به والدي ويزيد ثقتي في نفسي وقد تحقق لي ذلك رغم صعوبة الدراسة والنجاح في تلك الأيام ولولا الرسوم الرمزية القليلة التي كانت تتقاضها الجامعة لحرمت من الدراسة وآلاف الطلاب أمثالي . وفي العام الجامعي الأول 1960-1961 كانت الوحدة بين سوريا ومصر باسم الجمهورية العربية المتحدة ..واود ان اذكر هنا رفضي للالتحاق باي حزب من الاحزاب التي كانت سائدة في ذلك الوقت لانني رايت فيها استغلالاً للبسطاء والفقراء والتسلق على ظهورهم وبذلك نأيت بنفسي عن الانشغال بالسياسة وفضلت على ذلك الاهتمام بمستقبلي الدراسي حتى احصل على الشهادة التي اغتربت من اجل الحصول عليها ومضت الايام سريعة وعشت عصر الانقلابات في سوريا فقد حصلت انقلابات متعاقبة كان تهدر فيها الاموال والطاقات .

بعد انفصال سوريا عن مصر عام 1961 وكنت ايامها في السنة الثانية كلية الاداب حيث سمحت الجامعة بامكانية دراسة تخصص اخر فاخترت الدراسة في كلية الحقوق واصبحت احرص على الاستماع لمحاضرات الحقوق التي استمتعت بها وكان الدافع الى ذلك انني وجدت في دراسة الحقوق دراسة للحياة من اوسع ابوابها وكذلك لاتاحة الفرصة امامي لتغيير العمل الوظيفي الذي تؤهلني له دراسته الاداب/قسم التاريخ وبذلت جهدا مضاعفا لانني كنت اتقدم لامتحانين في الكليتين في وقت واحد وكان النجاح حليفي فقد كنت ابذل جهدي وقد صادف احيانا كثيرة انني لم اكن ادرس جميع المتطلبات في المادة ولكن الاسئلة كانت تاتي وبشكل دائم من المادة التي درستها وعندما تكررهذا الامر بكثرة اصبحت اتوقع الاسئلة من المادة التي تم تحضيرها وكان ذلك يحصل على الدوام فخالجني شعور بان خطواتي يحكمها القدر وانا اسير الى المستقبل واعتقدت انه مشرق وواعد منذ ذلك الوقت . وفي شهر يونيو حزيران عام 1964 حصلت على الشهادة الجامعية من كلية الاداب /قسم التاريخ وبذلك انتهت المرحلة الاولى من الدراسة وعملت مدرسا للمرحلة الثانوية في المدرسة العربية الثانوية في مدينة جنين احدى مدن شمال فلسطين والتي تخضع للسلطة الفلسطينية حاليا وقضيت عاما بالعمل في هذه المدرسة أي عام 1965 .

وكنت حينها اتابع دراستي في كلية الحقوق للسنة الثالثة والتي أنهيتها بنجاح .

العمل بالسعودية
ليتحدث بعد ذلك عن عمله في السعودية قائلا: قررت السفر الى السعودية للعمل معلما هناك حيث كنت اتقاضى ضعف الراتب الذي كنت اتقاضاه في بلدي وادخرت مبلغا ممتازا بمقاييس ذلك الوقت وعند بداية العطله الصيفية في بداية شهر يونيو حزيران 1967 توجهت بالطائرة الى دمشق لعدم وجود طائرة الى عمان ، ونزلت في دمشق للاستراحة واستعادة بعض الذكريات ، وما هو الا يوم واحد حتى نشبت حرب حزيران وانتهت بالنكسه ، التي ضاع على اثرها ما تبقى من فلسطين وجزء من سوريا ولبنان ومصر. وعشت اياما عصيبة فقد فقدت كل شيء ، الاهل والوطن ، ولكن ما الحيله وما العمل ، وبعد مرور اسبوعين على توقف الحرب ادركت ان الحياة يجب ان تاخذ مجراها ولابد من العودة للكفاح قدر استطاعتي ، فتجرعت آلامي وقلت لابد ان استكمل مشواري في الحياة ، فتقدمت لامتحانات السنة النهائية في كلية الحقوق ، وحصلت على الشهادة الجامعية الثانية .

الزواج
وعن زواجه قال : بعد انهاء دراستي فكرت في الاستقرار ، وكنت على يقين حينذاك انه لم يكن بوسعي السفر الى قريتي وبدأت بالبحث عن فتاة تشاركني الحياة بمرها وحلوها ، فوقع اختياري على زوجتي الحالية ، فقد وجدت فيها الفتاة التي كنت اطمح بالزواج منها ، فلفت نظري جمالها الذي ابحث عنه ، وابتسامتها التي لا تفارقها فاسمها باسمه ، والبيئة المتمدنة التي تختلف عن بيئة القرية وظروفها ، فتقدمت لخطبتها وحصل النصيب ، وتزوجتها بعد ذلك باسبوعين ، واقام لي أهل زوجتي حفلا للزواج في منزلهم حيث كان معظم الحضور من أهلها واقاربها ولم يحضر من أهلي الا عدد قليل بسبب احتلال اسرائيل لما تبقى من فلسطين.

العودة للعمل في السعودية
ويعود للعمل بالسعودية حيث يقول : بعد فترة شهر من زواجي قفلت عائدا الى مكان عملي في " ابها " في المملكة العربية السعودية وهي مدينه صغيرة اقرب للقرية الكبيرة منها للمدينة في ذلك الوقت ، واستاجرت بيتا وسط بستان من الاشجار المثمرة، شبيها ببيوت قريتي ، وكانت تفتقر الى الكهرباء ، حيث كنت استخدم مصباح الكاز (اللوكس ) ذو الضوء القوي واقرب ما يكون لنور الكهرباء وبالتالي لا وجود للغسالة او الثلاجة ولكن ما عدا ذلك فانه موجود وبكثره ، ولم يكن الامر مزعجا بالنسبة لي فكأني اعيش في قريتي ، ولكن زوجتي وجدت اختلافا كبيرا بين معيشتها في مدينة دمشق حيث كانت جميع وسائل الحياة المريحة موجوده في بيتها ، ولكنها تاقلمت مع هذا الجو الجديد ولم الاحظ عليها أي تذمر او امتعاض ، ولكنها كانت تندهش لرؤية بعض الزواحف كالعقارب او الضفادع ، ولكن اعتيادي على التعامل مع تلك الزواحف هدأ من روعها وامنت بجانبي منها .

وانتهى العام حيث كانت تسليتي الوحيده لعب الورق وزيارة الاصدقاء والجيران ، وجاء موعد العطله الصيفية لنقضي الاجازة في دمشق ، وكان ذلك في بداية شهر حزيران من عام 1968 ، وقضينا الاجازة في بيت اهلها حيث كانت زوجتي في الشهور الاخيرة من الحمل، فوضعت اول مولود ذكر وكان مولده في النصف الثاني من شهر آب 1968 ، وأسميناه ( ماهر ) وكم كان سروري كبيرا بمولده ، فقد كان لدي احساس بانه سيكون الانيس والمساعد . وعندما انتهت العطله الصيفية عدت الى مقر عملي في مدينة ابها ، وعادت الحياة سيرتها الاولى مع فارق وهو الطفل الوافد وما فرضه وجوده من تغييرات خاصة بالنسبة لامه ، فقد شغل جزء اكبر من وقتها واحست بالامومه وفي منتصف العام وصلني قرار بنقلي من مقر عملي في ابها الى مدرسة عكاظ الثانوية بالطائف فذهبت الى الطائف وكانت مدينه تشمل وسائل الراحة المعروفة بالمدن ، فاستاجرت شقة في بناية مزوده بوسائل الراحة , وكانت المدرسة كبيرة وفيها مدرسين وموجهين من أكثر من عشر جنسيات عربية واجنبية . وبالتالي كانت الفرصة متاحة لي للاحتكاك بعدد اكبر من الناس أصحاب التجارب والخبرات المتعددة.

الدراسات العليا
وعن بدء تحقيق حلمه بالدراسات العليا يقول : في احد الايام وبينما كنت اجلس مع زميل لي كنت معجبا بخبرته ورأيه نصحني ان التحق بالدراسات العليا واحصل على الدكتوراة فأخذت كلامه على محمل الجد وبدأت افكر بالتنفيذ . فاتصلت مع بعض المعارف ممن كانوا يدرسون في كلية الحقوق جامعة القاهرة وفعلا تلقيت التشجيع للالتحاق بالدراسة خاصة وان التكاليف منخفضة وفعلا تقدمت بالاوراق المطلوبة وتم تسجيلي في كلية الحقوق (دبلوم التشريع الضريبي ) يعادل سنة اولى ماجستير وفي نهاية العام صدر قرار بنقلي الى مدرسة ثانوية في منطقة الباحة بالسعودية فذهبت اليها بعد قضاء العطلة الصيفية في دمشق في منزل اهل زوجتي ويعد انتهاء العطلة ذهبت لمقر عملي الجديد وبدات استعد للامتحان في نهاية العام وفي نهاية السنة واقتراب العطلة بدات بالاستعداد للسفر الى القاهرة فسافرت الى دمشق اولا وتركت زوجتي عند اهلها لتضع مولودها الثاني وكان بنتا واسميناها "سهير" وضعتها امها بعد سفري للقاهرة لاداء الامتحان .

وفي نهاية الامتحان حصلت على علامة النجاح التي أتاحت لي فرصة استكمال السنة الثانية دبلوم القانون العام وبعثت باستقالتي لوزارة المعارف بالسعودية وبدأت بالاستعداد لامتحان الدبلوم العام وحضور المحاضرات وقد تأثرت شخصيتي في هذا العام بعدد من الاساتذة الكبار تأثرت بعلمهم ومسلكهم ومن أشهرهم دكتور حامد سلطان أستاذ القانون الدولي ودكتور عبد الحكيم الرفاعي أستاذ المالية والدكتورة عائشة راتب أستاذة القانون الدولي العام وبذلت الجهد المطلوب ونجحت بتفوق في نهاية العام وقد كنت متفرغا للدراسة وأثناء دراستي في شهر نوفمبر 1971 وضعت زوجتي مولودها الثالث عند اهلها في دمشق وأسميته عمر و بعد حصولي على درجة الماجستير من كلية الحقوق جامعة القاهرة بدأت التفكير لاستكمال درجة الدكتوراة فبدأت بالاستعداد لاختيار الموضوع المناسب والأستاذ المناسب فوقع اختياري على موضوع مالي واقتصادي بعنوان (دور المعونة الأجنبية في تمويل التنمية الاقتصادية مع دراسة تطبيقية على الأردن ) مع الاستاذ الدكتور عاطف صدقي الذي قبل مشكورا بالاشراف على رسالتي.

و بدأت بعد ذلك بالتفكير في تدبير أموري المالية خاصة وأن المدخرات التي جمعتها أشرفت على النفاذ فقلت لابد من العمل لسنتين لأجمع بعض المال ولكن قبل ذلك قمت بزيارة أهلي في الأراضي المحتلة صيف عام 1971 وعبرت جسر الملك حسين على نهر الأردن وترافقني زوجتي والأطفال و ما ان وصلت البيت حتى وجدت والدتي بانتظاري ولم تتحمل الصدمة فلم تقدر على الوقوف على قدميها حيث دب فيها المرض منذ ذلك الوقت وانشغلت طول فترة اقامتي بعلاجها والجلوس معها وكانت تعرف أن ايامها الباقية معدودة والأيام التي سأقضيها معها أقل من ذلك وبعد ذلك تحسنت صحتها قليلا فرجعت الى القاهرة وكانت قد تحسنت النواحي المالية لوالدي فمنحني بعض المال الذي يكفي لسنة واحدة وعدت الى القاهرة لاستكمال دراستي .

العمل في ليبيا
ويتابع عن سفره للعمل في ليبيا ليؤمن مصاريف الدراسة للدكتوراة : في تلك الأثناء حضرت البعثة التعليمية الليبية للتعاقد مع عدد من المدرسين فتعاقدت معهم وذهبت الى بنغازي وكانت مدينة جميلة تتوفر فيها وسائل الحياة الكريمة ولم أضع الوقت وانشغلت بدراسة المراجع المتعلقة بموضوعي للدكتوراة وبقيت في بنغازي حتى صيف عام 1973 حيث قدمت استقالتي للتفرغ لاستكمال درجة الدكتوراة.

الدكتوراة
وعن تحقيق الحلم والحصول على الدكتوراة قال المرحوم في مذكراته : توجهت الى القاهرة واستأجرت شقة مفروشة في شارع مصدق حي الدقي حيث استقدمت العائلة الزوجة والأطفال الثلاثة وأدخلت ماهر مدرسة قصر النيل حتى أنهى السنة الأولى الابتدائية فمكثت سنتين في القاهرة وخلال هذه الفترة بالتحديد خلال 1975 رزقت بطفلة أسميتها ايناس وبذلك أصبحت العائلة مكونة من الزوجة وأربعة أطفال : ماهر 1968، سهير 1970 ، عمر 1971، ايناس 1975.... وفي الشهر الخامس من عام 1975 تلقيت خبرا من فلسطين المحتلة يفيد بوفاة والدتي رحمها الله حيث توفيت في 29-5- 1975 إثر اصابتها بسكتة قلبية في مستشفى مدينة طولكرم وهو امتداد للمرض الذي أصابها عندما ذهبت لرؤيتها اول مرة وتم دفنها في باقة الشرقية وحزنت لوفاتها حزنا شديدا ولكن بدأت أعود لطبيعتي بمرور الأيام وتلك هي سنة الحياة، ومكثت سنتين في القاهرة حتى أنهيت متطلبات درجة الدكتوراة وتشكلت لجنة المناقشة وقد تشكلت من الأساتذة دكتور عاطف صدقي المشرف، وعضوية كل من الدكتور مصطفى السعيد أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة والدكتور يسري مصطفى رئيس الجهاز المركزي للمحاسبة وحصلت على درجة الدكتوراة في الاقتصاد والعلوم المالية بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف الثانية وبعد انتهاء دراستي من القاهرة في 18/11/1975 عدت الى عمان .

مسيرة العمل والعطاء في عمان
ويضيف المرحوم بعد عودته الى عمان : بدأت بالبحث عن وظيفة حيث استقر الأمر على اختياري العمل في البنك المركزي الاردني وكانت الوظيفة في دائرة أبحاث البنك المركزي الأردني براتب شهري بلغ حوالي 250 دينار أردني ومكثت بالبنك المركزي ستة سنوات تم انتدابي خلالها للعمل كمستشار في وزارة العمل ومدير لبنك تنمية المدن والقرى ومساعد مدير عام الضمان الاجتماعي وبلغ راتبي في نهاية عملي الوظيفي حوالي ثمانمائة دينار وخلال عملي قمت بتأليف كتاب في التشريع الضريبي بالإضافة الى عملي كمحاضر في الموضوع الضريبي.

تأسيس معهد العلوم المالية والمصرفية
ويتابع حول تأسيس معهد العلوم المالية والمصرفية : من خلال عملي في البنك المركزي لفت نظري أن بعض التجار يعتمدون بتمويل تجارتهم على الاقتراض من البنوك التجارية فبدأت أفكر بالانتقال للعمل في القطاع الخاص ولكن قبل الانتقال جربت بعض الأعمال من خلال الوظيفة وأول هذه الأعمال كان في عام 1980 وهو تأسيس معهد العلوم المالية والمصرفية الذي أصبح يعرف فيما بعد بكلية الأندلس في عمان وأتبعته بفرعين أحدهما في مدينة الزرقاء والآخر في أربد أما سبب تأسيس وانشاء هذا المعهد فيعود الى أنني كنت أعمل مدرساً في معهد العلوم المصرفية والمالية التابع للبنك المركزي خلال الفترة المسائية وبأجر اضافي ولكن مدير المعهد الذي يعمل مديرا تنفيذيا في البنك المركزي استبدلني بمدرس آخر بسبب لم أقتنع به فتأثرت كثيرا وبادرت الى تأسيس معهد للعلوم المالية والمصرفية وقد أسست المعهد وجمعت عدداً من الأصدقاء العاملين في قطاع البنوك وكان العدد ثمانية بمساهمة بلغت ثلاثة آلاف دينار لكل واحد ولم يكن لدي هذا المبلغ فاستلفته من أحد البنوك وكنت المحرك لهذا المشروع والمشرف الأساسي عليه واستأجرت مبنى في جبل عمان الدوار الخامس وتم تأثيثه وتجهيزه بمتطلبات الدراسة وكان ذلك في الشهر السابع من عام 1980 وكان موعد التسجيل لخريجي الثانوية العامة الذين لم يحالفهم الحظ بالالتحاق بالجامعات وقد تم تسجيل حوالي ألف طالبة وطالب تلك السنة وأصبح لدينا سيولة تقارب المئتي ألف دينار مما مكننا من التحرك باتجاه تعيين أفضل المدرسين واحضار التجهيزات المناسبة وقد عملت مدرسا في الفترة المسائية في المعهد وألفت العديد من الكتب لدراسة الطلاب وتابعت الدراسة في المعهد وأداء المدرسين وكنت أعقد اجتماعات أسبوعية مع الشركاء وجميعهم من الأساتذة ومدراء البنوك لمتابعة نشاط المعهد حتى تخرجت الدفعة الأولى في صيف عام 1981 وكانت على سوية عالية مما أكسب المعهد مصداقية وسمعة عالية فازداد الاقبال عليه وتحسنت الربحية وازداد دخلي من خارج الوظيفة واستمر نجاح المعهد وازداد دخلي من خارج الوظيفة حتى تجاوز الألف دينار في الشهر ويعتبر هذا الدخل جيدا بمقياس الوظيفة وفي هذه الأثناء من خلال ارتباطي بالبنك المركزي ورغبة في توفير السكن الملائم للموظفين اقترحت أنا ومجموعة من الموظفين على محافظ البنك المركزي بأن يمول مشروعا للاسكان يتناسب ودرجات الموظفين تبعا لرتبهم فأسسنا لهذا الغرض جمعية تعاونية لاسكان موظفي البنك المركزي وانتخبت رئيسا للجمعية وعملت أربع نماذج للشقق تبعا لراتب الموظف وذلك في عام 1978 وفرغت من بناء الشقق وتجهيزها للسكن في عام 1980 وكنت أول السكان الجدد في المشروع وكانت شقة واسعة بالمقارنة مع الشقة التي أسكن فيها وجهزتها بأفضل الأثاث وساعدني على ذلك الدخل الاضافي الذي كنت أحصل عليه من المعهد نتيجة للعمل والربح واحسست يومها بانجاز لم أكن أحلم به وارتحت لهذا السكن لأنه لم يكن بالامكان توفير مثل هذا السكن الا بمساعدة البنك المركزي وهنا فكرت بضرورة انجاب طفل خامس فوضعت زوجتي طفلة أسميناها"عبير" عام 1981 ثم وضعت زوجتي في عام 1982 طفلة أسميتها "ريم" "وقلت كفى لحد هنا .

وفاة والده الحاج مفلح الحوراني
وعن وفاة والده الحاج مفلح الحوراني قال : درج والدي على زيارتي وزيارة أخواني مرة في السنة بعد وفاة والدتي وكانت زيارته في الصيف وكان يقول دائما أنت محظوظ ومرضي والدين فوالدتك كان لسانها يذكرك دائما وقلبها متعلق بك وتوفيت على هذه الحال وكان مما يزيد اعجابه بتصرفاتي ان اصغر شقيقاتي (ناديا) استقدمتها لاستكمال تعليمها في عمان ورعايتها كاحد ابنائي فقد تم حضورها الى عمان عام 1981 بعد ان انهت المرحلة الثانوية في القرية. وفي صيف عام 1984 مرض والدي مرضا شديدا في قريته وكأنه أحس بدنو أجله فطلب من أحد أصدقاء العائلة أن يأتي به الى عمان وحضر الى بيتي في اسكان البنك المركزي وقد فرحت برؤيته ولكنني حزنت لما آلت اليه صحته ولكنه كان حاضر الذهن وذاكرته ممتازة وكان ما أحزنني بأنه لم يعد يأكل بشهية خلافا لما كان عليه حيث كنت أحب أن اطعمه ما كان يحب وفي آخر عشرة أيام اشتد مرضه ونقلته الى المستشفى حيث كنت أمضي معه بعض الوقت وعندما كنت اتاخر معه كان يقول لي اذهب فعندك أعمال كثيرة اذهب وتابع عملك وفي التاسع من أكتوبر سنة 1984 اشتد به المرض فحدث هبوط في القلب وتعطلت الكلية عن العمل وبدأ قلبه بالوهن والضعف المتواصل الى أن توقف عن النبض صبيحة يوم 10 أكتوبر 1984 وكنت أرغب بدفنه في عمان حتى يبقى قريبا مني وقد اخترت له مقبرة ياجوز الضاحية القريبة من مسكني. ...

تأسيس مدارس الجامعة
لم يعد بإمكان المرحوم الدكتور احمد الحوراني الجمع بين الوظيفة والعمل في القطاع الخاص لذا قرر الاستقالة والتفرغ العملي في العمل الخاص فقدم استقالته من العمل في البنك المركزي في الشهر الخامس من عام 1982 ...

وللحقيقة القول ان المرحوم منذ بداياته العملية في القطاع الخاص، آمن بأهمية الاستثمار في التعليم، وكان مدركاً لضرورة تأسيس مدارس خاصة تستوعب أعداد الطلبة لا سيما في العاصمة عمان، ومن هنا أسس مدارس الجامعة الثانوية في العام 1979 في منطقة الجبيهة، وشملت جميع المراحل الدراسية من الروضة وحتى الثانوية العامة، ثم قام بتوسيعها فانتشرت فروعها حيث تم إنشاء عدة فروع في عمان، ثم مدارس الجامعة الثانوية الأولى في الجبيهة، ثم أنشأ مدارس الجامعة الثانية في طبربور، تلاها إنشاء مدارس الجامعة الثالثة في منطقة تلاع العلي.

وقد حرص على دعم مدارس الجامعة وتوفير احتياجاتها وجميع المستلزمات الضرورية لقيامها بـتأدية رسالتها التربوية لإعداد جيل من أبناء وبنات الوطن المنتمين الى الأردن بلداً والى الأمة العربية وطناً، جيلاً مسلحاً بالعلم والمعرفة، ولتحقيق ذلك كان تركيزه على توفير كادر تعليمي وإداري مؤهل في جميع التخصصات، قادر على تخريج طلبة يحملون فكراً وخلقاً وديناً ومنهجاً، كما عمل رحمه الله على توفير البنية التحتية المادية والبشرية المناسبة لإيجاد بيئة تعليمية حديثة تواكب مستجدات وتحديات هذا العصر.

وفي إطار سعيه الحثيث لإضافة كل ما يستجد، فقد قامت المدارس وتنفيذاً لتوجيهات مؤسسها، بتصميم الغرف الصفية ضمن مواصفات فنية متميزة، ومحوسبة Smart Board من الصف الأول الى الصف العاشر إضافة الى صفوف الروضة kg2،KG1، والقسم الدولي، كما تم إعداد غرف مجهزة للطلبة الكبار لتطبيق الحصص المحوسبة لجميع المراحل العليا، بالإضافة الى المختبرات العلمية والحاسوب.

ولأنه الإنسان الذي عاش حياته رؤوماً رحيماً، قامت المدارس وما تزال تقوم بتطبيق سياسة دعم الطلبة المتميزين، والمتفوقين دراسياً حيث حقق مدارس الجامعة نتائج مرموقة في نتائج طلبتها، وكان من بينهم لا سيما من طلبة الثانوية العامة من حلّ بالمرتبة الأولى على المملكة الأمر الي لم يكن ليتحقق لولا حنكة الإدارة وبعد النظر الذي حباه الله للراحل الكبير أبو ماهر ، حتى أصبحت اليوم تحتل مرتبة في مقدمة وطليعة المؤسسات التربوية الوطنية.

تأسيس وإدارة شركة داركو للاستثمار والإسكان

بعد استقالته من العمل الحكومي بدأ المرحوم تأسيس وادارة شركة داركو للاستثمار والإسكان في بداية عام 1983 وفي نهاية العام قام ببيع أسهمه في هذه الشركة وكانت تعتمد فكرة انشاء شقق سكنية للمغتربين الأردنيين في الخارج وأصحاب الدخل المتوسط في الداخل بدأت بثلاثين مساهما رغبوا بأن يكونوا من المؤسسين وغطوا 50% من رأس المال الذي قدر عندئذ بحوالي ثلاثة ملايين دينار ثم طرحت الأسهم في وسائل الاعلام وخاصة الصحافة وأعلن عن تأسيس الشركة ودعوة الأشخاص الطبيعين والمعنويين للاكتتاب وكان الاقبال جيدا وتمت تغطية رأس المال ثلاثة مرات وقد كانت مساهمته المرحوم في المشروع بمبلغ مائة وخمسون ألف دينار ونجحت الشركة بشراء الأراضي السكنية وتصميم المباني عليها وتم تداول اسهم الشركة في بورصة الأوراق المالية في سوق عمان المالي وبدات الشركة تحقق نجاح تلو النجاح في مشاريعها السكنية فبدأت الاسهم بالارتفاع .... وهنا ونظرا للاستقطابات وبوادر انشقاقات داخل الشركة قام المرحوم ببيع جميع أسهمه وحقق ربحا يقارب رأسماله .

تأسيس الشركة الأردنية المتحدة للاستثمار
كما قام بعدها مستفيدا من تجربته في الشركة الأولى بتأسيس الشركة الأردنية المتحدة للاستثمار وتوسيع دوائر الاستثمار فيها ليمتد الى أنشطة اقتصادية متنوعة وحققت الشركة نجاحا طيبا في كافة مشاريعها وكان المرحوم يمتلك 50 % من اسهم الشركة. وبعد ان بدأ الركود يدب بالاقتصاد منذ نهاية عام 1985 وتقلصت الأرباح كثيرا ابدى المساهمون رغبتهم في بيع اسهمهم.... وعندها اضطر المرحوم لولوج العمل في البورصة الدولية وتجارة العملات والمعادن الثمينة والأسهم والسندات مستفيدا من خبراته وتحقق له في هذه الصفقات ارباحا طائلة استخدم جزءا كبيرا منها في شراء اسهم الشركاء في الشركة حتى وصلت مساهمته الى اكثر من 90% من راسمال الشركة.

مؤسس جامعة عمان الاهلية "أولى الجامعات الخاصة في الأردن والمنطقة "
في مطلع التسعينات تحقق الحلم الأكبر على امتداد مساحات الوطن، فقام المرحوم بتأسيس درّة الجامعات الخاصة في الأردن بل وأول جامعة خاصة في الأردن والمنطقة " جامعة عمان الأهلية" وافتتحت أبوابها أمام الطلبة في العام 1990، وغدت الجامعة في مقدمة الجامعات المتميزة في مجال التعليم الجامعي والبحث العلمي محلياً وإقليمياً ودولياً، وما زالت تلعب دوراً فاعلاً في تنمية ونهضة المجتمع الأردني خاصة والمجتمع العربي عامة.

أولى الدكتور احمد الحوراني الجامعة اهتماماً كبيراً وسعى منذ نشأة الجامعة الى توفير أفضل الفرص التعليمية والتعليمية والبحثية للطلبة والأكاديميين والتي تتماشى مع المعايير الدولية، وتقديم خدمة فاعلة للمجتمع الأردني والعربي من خلال التعليم والبحث والاستشارات وخدمة المجتمع بمستويات عالية ومن خلال إدماج مفهوم الجودة الشاملة والتحسين المستمر في مختلف المجالات التعليمية والبحثية والإدارية بالجامعة، إضافة إلى توفير بيئة تعليمية صحية داعمة تعمل على الحفاظ على موقع الجامعة المتقدم كموئل للعلم والمعرفة والفضيلة من خلال إمداد الطالب بأصول المعرفة الحديثة، والقيم الرفيعة، وتنمية شخصية الطالب بما يجعله قادراً على الابتكار والعمل الجماعي والمنافسة محلياً وإقليمياً ودوليا وقادراً على الابتكار والعمل الجماعي والمنافسة محلياً وإقليمياً ودولياً.

ومنذ التأسيس واكبت الجامعة التطورات المتلاحقة في شتى الميادين، ومن أجل ذلك عمل مؤسس الجامعة – رحمه الله – على استحداث برامج أكاديمية متنوعة واستقطاب أعضاء هيئة تدريس على درجة عالية من الخبرة العلمية والعملية والكفاءة، ومن خريجي أعرق الجامعات العالمية، وبعد أن كانت تضم ثلاث كليات فقط هي كلية الحقـوق وكـلية الآداب والعلوم وكلية العـلوم الإدارية والمالية، فقد أصبحت اليوم تضم ثماني كليات هي كلية الاداب والعلوم (وتضم تخصصات : اللغة الإنجليزية وادابها ، واللغة الإنجليزية والترجمة ، وعلم النفس ، والتربيىة الخاصة ) وكلية الحقوق ( الحقوق ) وكلية تقنية المعلومات( وتضم: علم الحاسوب ، والشبكات وأمن المعلومات ، وهندسة البرمجيات ) وكلية العـلوم الإدارية والمالية" والتي اصبح اسمها الان كلية الاعمال " ( وتضم : المحاسبة، وإدارة الاعمال ، والعلوم المالية والمصرفية ، والتسويق ، ونظم المعلومات الإدارية ، والاعمال والتجارة الالكترونية ) وكلية التمريض ( التمريض ) وكلية الصيدلة والعلوم الطبية ( وتضم : الصيدلة، والتحاليل الطبية ، والسمع والنطق ،وعلم البصريات ) وكلية الهندسة ( وتضم : هندسة الحاسوب ، وهندسة الالكترونيات والاتصالات ، والهندسة الطبية ، والهندسة المدنية ، والهندسة الكهربائية ) و كلية العمارة والتصميم (وتضم تخصصات الهندسة المعمارية ، و التصميم الجرافيكي ، والتصميم الداخلي).

واستمراراً لنهج التطور، فقد ترجم الدكتور أحمد الحوراني رؤاه الثاقبة في استحداث برامج دراسات عليا، وتحقق ذلك حيث طرحت الجامعة بعد موافقة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي برنامج الماجستير في الحقوق ، ثم الماجستير في علم النفس الاكلينيكي، والماجستير في العلوم الصيدلانية، والماجستير في هندسة الاتصالات الى جانب ماجستير إدارة الأعمال المشترك مع "جامعة هيريوت - وات " ادنبرة

(Heriot-Watt University-Edinburgh Business School)

وتنفيذا لرؤاه الشاملة فقد جسدت عمان الأهلية مبدأ "الجامعة في خدمة المجتمع" وتطورت عملية تنمية وتطوير الشراكة والخدمة المجتمعية، ولم تتقوقع الجامعة على نفسها فكانت الرائدة في الانفتاح على الوطن ككل، وشاركت وما زالت تشارك في إحياء المناسبات الوطنية والاجتماعية والدينية، وكلّ ذلك لأن مؤسسها كان رجلاً وطنياً أحب الأردن وقيادته الهاشمية وأخذ على عاتقه ألا تحيد الجامعة بيوم عن المشروع النهضوي الوطني، وقامت الجامعة بتعزيز قيم الحب والولاء والانتماء للوطن أرضاً وقيادة هاشمية وشعباً.

اليوم وبعد مرور ستة وعشرين عاماً على تأسيس الجامعة والتي تقف على مدخل السلط الشمّاء شامخة أبية، فإنها تواصل رسالتها بثقة وعزيمة واقتدار، وقد رفدت السوق المحلي والعربي بنخبة من الخريجين الذين احتلوا مراكز مهمة في المؤسسات المحلية والإقليمية في القطاعين الحكومي والخاص، فهي ولئن غادر جسد مؤسسها حرمها، الا أن توجيهاته ورؤاه محط اهتمام وعناية ثلة من أبناءه البررة، فها هي الجامعة تمضي في رسالة العلم والعطاء بعد أن أصبحت معروفة ليس على المستوى الأردني فحسب بل وعلى مستوى دول الجوار والمنطقة العربية برمتها والعالم ، وانها لتستحق ان تتزين بقلادة رائدة الجامعات الخاصة في الأردن وأن بانيها هو رائد التعليم الخاص في الأردن كذلك.

تدشين مجمع الارينا الثقافي الرياضي في الجامعة
بهدف استكمال دور الجامعة الثقافي الاجتماعي تم في عام 1995 انشاء مجمع ثقافي رياضي اجتماعي باسم مركز الارينا وقد تم انجازه في عام 1999 وتم افتتاحه بحفل للمطربة فيروز ويعتبر هذا المركز من اكبر واحدث المجمعات الثقافية والرياضية في المنطقة العربية وتزيد مساحته على 25 الف متر مربع ويشتمل على مسرح يتسع لاكثر من خمسة الاف متفرج وقد تشرف المجمع باستقبال جلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الاردنية الهاشمية بمناسبة تتويجه ملكاً ... علاوة على انه تم في المسرح إحياء حفلات متعددة لفنانين عرب كبار من أمثال جورج وسوف،كاظم الساهر،مارسيل خليفة وغيرهم ... ذلك الى جانب احياء المناسبات العلمية والاجتماعية في الجامعة كحفلات التخريج ...... الخ. كما ان المجمع يضم مختلف الصالات الرياضية واحواض السباحة والتجهيزات المختلقة لمعظم الألعاب الرياضية .

شركة الألبان الأردنية " مها "
في العام 1996 قرر- رحمه الله - الاستثمار في شركة الالبانالاردنية "مها " وذلك من خلال شراء الأسهم المطروحه للتداول في السوق المالي، حيث كانت مملوكه من قبل القطاع الخاص و القطاع الحكومي بنسب متساوية تقريبا .
وبالنظر لما عرف عنه من قدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، فقد استمر في شراء أسهم الشركة ليستطيع خلال العام 1997 من امتلاك 40% من اسهم الشركة و السيطرة عليها وتبوأ منصب رئيس مجلس إدارة الشركة، الأمر الذي مكنه من رسم سياسة جديدة للشركة حسب التصور والتطلعات التي وضعها لها وقد ترجمت رؤيته الى واقع من حيث تحسن نتائج أعمال الشركة وبصورة جيدة للأعوام التالية، حيث أصبحت الشركة تقوم على تحقيق معدلات ربحية جيدة ، كما تم تجديد مصنع العبوات البلاستيكية بمواصفات جيدة وطباعة حديثه تسهم في تعزيز منتج الألبان في السوق المحلي.
و استمرت قصة النجاح للشركة من خلال القرار الحكيم والذكي الذي اتخذه المرحوم الدكتور احمد الحوراني في تأسيس مزرعة أبقار حلوب لتزويد مصنع الألبان بالمادة الأساسية المدخلة في الإنتاج وهي الحليب الطازج ضمن مواصفات تفوق المعايير المعتمدة مما ينعكس ايجابيا على منتج الشركة النهائي.
vشراء شركة الالبان الدنماركية
كما قام المرحوم بشراء شركة الالبان الدنماركية وكانت آيلة للاندثار والافلاس وادخل شهرة الشركة والثقة العالية التي اكتسبتها من بلد المنشأ واتخذ عدة قرارات لاعادة الحياة الى الشركة وقام بتغييرات شاملة في الإدارة الوسطى وشدد على الالتزام بمستوى الجودة بصورة لا تقبل المساومة الى جانب تعديل سلم الأسعار بما يتناسب مع المنتجات الجديدة .. واستعادت الشركة مكانتها وبقوة .. وواصل المرحوم بمساعدة ابناءه ماهر في البداية والان الأستاذ عمر الذي يتولى أمور الشركة مباشرة وبذل جهودا كبيرة في متابعة المزرعة وزيادة الطاقة الإنتاجية للشركة لتصل اليوم الى ما يقارب 60 طن يوميا.
وتنتج الشركة اليوم تشكيلة رائعة وواسعة من الالبان والاجبان ومشتقاتها والحليب طويل الامد والحليب المنكه والعصائر الطبيعية ذات الجودة العالية والمشهود لها سواء منتجات كارولينا او بلدنا او الحياة .

الاستثمار في القطاع الفندقي والسياحي
انطلاقا من قناعة –المرحوم - ا بأن الأردن متحف مفتوح، ومقصد سياحي من الطراز الأول، وهو بحاجة إلى بنية تحتية ترفد السياحة بمختلف أنواعها الدينية والعلاجية والتاريخية... فقد شرع في إنشاء منظومة سياحية، تمثلت في تشييد العديد من الفنادق الريادية، فكان رئيس مجلس إدارة "شركة الشرق للمشاريع الفندقية والسياحية " والتي تمتلك فندق الهوليدي إن ...وكذلك تم تأسيس "شركة الارينا للاستثمارات الفندقية والسياحية " وشراء فندق أرينا سبيس /الجاردنز في أجمل مواقع عمان الى جانب امتلاك ثلاثة فنادق من فئة الاربع والخمس نجوم في (فلنجراد، سمولن، فارنا ) في بلغاريا .

الحوراني ...الاستاذ والكاتب
كان المرحوم الدكتور احمد الحوراني يقوم بتدريس الطلبة للكثير من المقررات الجامعية ضمن اختصاصاته فهو اكاديمي بارع احبه طلبته كثيرا .. وألف العديد من الكتب والمقررات الدراسية التي خدمت رسالته التعليمية .

وعلاوة على ذلك كان – رحمه الله – صاحب إحساس مرهف وكاتب مبدع كتب العشرات من المقالات التي نشر بعضها ولم ينشر الكثير منها والتي تنوعت بين السياسة والاقتصاد والتعليم والجامعات والاستثمار والحياة .. ومنها مقالات عن : المجلس النيابي والانتخابات ، ونحو مجتمع آمن واكثر إنتاجية، و أسعار الفائدة ومصلحة الاقتصاد ، والعلاج الجذري لتراجع السوق المالي ، وأوروبا واليورو ، والحياة بين الغد القريب والامس البعيد ... وغيرها من عشرات المقالات حول التعليم والتعليم العالي والجامعات نذكر منها : عقبات الاستثمار في قطاع التعليم الخاص .. ومعوقات العمل في الجامعات الخاصة .. و ألا تكفي درجة النجاح في التوجيهي لدخول الجامعة الخاصة ؟.. وإلغاء امتحان التوجيهي .. وورفع معدلات القبول في الجامعات الخاصة قرار خاطئ.. والخطوات الحاسمة نحو اصلاح التربية والتعليم .

كما كتب عشرات الخواطر والانطباعات منها : تركيا بين الاصالة والحداثة ...ودبي التي رأيت .. وأيام في الكويت ...الخ.

الحوراني ...الامبراطور
قصة حياته وتجربته الغنية التي لامسنا جزءا منها في عرضنا السابق تم عرضها في مسلسل " الامبراطور " الذي مثل شخصيته فيها الفنان حسين فهمي تحت اسم "احمد العربي " حيث تضمن المسلسل الذي لقي رواجا كبيرا على قناة " ام . بي . سي " عرضا لمظاهر حياته المختلفة والتي وجد الجمهور العربي على اختلاف رغباته وميوله وفئاته الاجتماعية تطابقا في مظهر أو اكثر من مظاهر الحياة التي عاشها المرحوم إضافة إلى المواقف الكثيرة والمتعددة والخبرات التي اكتسبها على مدار حياته الحافلة.

الحوراني .. والعائلة
في الحديث عن الإطار العائلي في حياة الدكتور احمد الحوراني، فقد أولى -رحمه الله -عائلته اهتماماً كبيراً وحرص على تعليم أبنائه وبناته أفضل تعليم، فهو الرجل الذي لم يدع باباً للعلم إلا ودخله، ولأنه كان يؤمن بأن العلم وحده هو الذي يقود الإنسان الى تحقيق مراميه وأهدافه في الحياة الفضلى الكريمة.

رُزق – رحمه الله – بثلة من البنين والبنات الذين يعملون اليوم على آثار والدهم، ويواصلون مسيرة التفوق والتميز والنجاح، في شتى الميادين التي عمل بها، وهم من زوجته الفاضلة باسمه الشيخ أوغلي التي تحملت معه مسيرة الكفاح الطويل والرحلة الشاقة المليئة بالمفاجئات وهم :

الدكتور مـاهـر: ولد في العام 1968 ودرس تخصص الحقوق وتخرج من جامعة حلب، فيما حصل على درجة الدكتوراة في إدارة الاعمال من جامعة صوفيا وهو متزوج من الفاضلة لمياء رشيد وله أربعة من الأبناء.
الاستاذ عمر: ولد في العام 1972 ودرس إدارة الاعمال وتخرج من جامعة عمان الاهلية ، ويحضر للدراسات العليا والدكتوراة وهو متزوج من الفاضلة شيرين حرب وله أربعة من الأبناء.
السيدة سهير: ولدت عام 1971 ودرست إدارة الاعمال ولديها ثلاثة من الأبناء .
السيدة إيناس: ولدت عام 1975 ودرست الأدب الانجليزي، وتعمل الآن مديرة لدائرة العلاقات العامة والدولية في جامعة عمان الأهلية ولديها ... من الأبناء .
الأستاذة عبير: ولدت عام 1981 ودرست إدارة الاعمال وتخرجت من جامعة عمان الاهلية .
السيدة ريــم: ولدت عام 1982 ودرست إدارة الاعمال وتخرجت من جامعة عمان الاهلية ولديها أربعة من الأبناء .
وبقدر ما كان المرحوم حازما في التربية إلا أنه كان حنونا عطوفا ذو بال طويل يمازح أفراد العائلة في كثير من الأوقات وخاصة عندما لا يكون مشغولا ويتناقش معهم في شؤون كثيرة كل حسب اهتمامه . وكان يصطحب زوجته وابنائه إلى السهر والاستمتاع في سن الشباب إلى الحفلات الغنائية والعروض المسلية وكذلك السفر في الإجازات للاطلاع على ثقافة الشعوب حيث سافر والعائلة إلى كثير من الأقطار العربية والأجنبية وكان متحيزا للفن العربي عموما والفن المصري واللبناني والفلوكلور الفلسطيني خصوصا .

الحوراني .. الانسان
ان الحديث عن شخصية متنوعة الثقافات والمعارف بحجم وقامة الفقيد الكبير الدكتور أبو ماهر، يقود الباحث في زاوية من الزوايا الى البحث في جوانب أخرى في حياته غير الجوانب الاستثمارية والاقتصادية التي غلبت مختلف مراحل عمره، فقد زاوج – رحمه الله - بين العمل العام والمال والأعمال، وبين البعد الإنساني الذي أضافه إلى شخصيته، فانعكست هذه النظرة في تعامله مع الطلبة غير المقتدرين، ومع العاملين لديه في مشاريع، فهو من المشهود لهم في القرب من الله، فوجّه ذلك العمل خالصاً له سبحانه وتعالى، ولم يعرف عنه أنه رد سائلاً أو أن يداه قد عكفت عن مساعدة طالب علم، وكان المرحوم أبو ماهر يخصص جزءاً كبيراً من ماله سنوياً لمساعدة الناس والعاملين في مجموعاته الاستثمارية المتنوعة. وكان يقوم بتوزيع حق الفقراء في ماله بصورة عينية كالزيتون والزيت والجبنة وغيرها أو بصورة نقدية للمحتاجين من أصحاب الأسر الكبيرة أو المرضى أو الذين يتعرضون لعوادي الزمن انطلاقا من ايمانه انه لايضيع عند الله مثقال ذرة وانه نوع من الشكر للنعمة التي انعم الله بها عليه .

المرض في (كانون الأول) 1999
في عام 1999 ارتفع ضغط الدم عند المرحوم فجأة وبعد الفحص والتصوير في المستشفى تبين أن هناك نزيفا شديدا في الدماغ وتتجاوز البقعة 5 سنتيمترات مربعة فعمل الأطباء على وقف النزيف أولا ومن ثم معالجة الآثار التي تركتها وتماثل – رحمه الله - للشفاء في زمن قياسي وصمم على الخروج من المستشفى في اقرب فرصة سنحت له وذهبت لمكتبه في الشركة وللجامعة التي ارتبط بها ارتباطا معنويا وعاطفيا .

وفــاتــه في 11( كانون الثاني ) 2016
في الحادي عشر من كانون الثاني من العام 2016 انتقل رجل الأعمال العصامي والإنسان الدكتور أحمد مفلح الحوراني الى رحمة الله تعالى بعد صراع مع المرض، وعن عمر يناهز اثنين وسبعين عاماً من البذل والجد والاجتهاد والعطاء، وقد كان لوفاته صدى كبيراً بين مختلف الأوساط الوطنية والسياسية والأكاديمية والاجتماعية التي رأت في رحيله خسارة وطنية ثقيلة تركت فراغاً واسعاً ، هذا الرجل الاستثنائي بامتياز، الذي حقق نجاحات متعددة في مجال التعليم والسياحة والأعمال، حتى رفدت أعماله ومشاريعه خزينة الدولة، ووفّرت نحو ما يزيد على خمسة آلاف فرصة عمل لأبناء وبنات هذا الوطن مضافاً إليهم عائلات العاملين ليصل العدد نحو عشرون ألفاً الذين عاشوا في ضمير ووجدان أبا ماهر رحمه الله.