ماتت من نبشت في الاردن بحثا عن حكايته الأولى.. تعالوا أحدثكم عن حياة حويك عطية .... بقلم : فاطمة العفيشات

مقالات ودراسات: ماتت من نبشت في الاردن بحثا عن حكايته الأولى.. تعالوا أحدثكم عن حياة حويك عطية .... بقلم : فاطمة العفيشات

تاريخ النشر: 
2021.07.14 - 12:00 am

ماتت فراشة السلام. من حملت رحيق فكرها ونثرته في كل بقعة حطت فيها.
ماتت من عشقت المكان وانتمت له بقلبها حد ارتباطها وانصاتها لروحه.
من أحبت الأردن ارضا. واحبت الأردن أهلا واحبت الأردن إنسانا.
ماتت من نقّبت في الأردن عميقا باحثة عن قصص تكوينه الاولى، لتمد في كل حكاية لها جسرا بين المكان والقارئ والزائر.
الأيقونة القومية، التي شقت دربها العروبي والأدبي بعزيمة لا تلين، الدكتورة والباحثة والروائية حياة الحويك عطية.
من حيث سيرتها الذاتية هذه هي حياة الحويك عطية:
ولدت عام 1949 في قرية حلتا في الريف اللبناني، لعائلة مولعة بالفن والشعر والقراءة ودرست في مدرسة كانت ديرا للراهبات وصفتها في إحدى المرات بأنها قطعة من الجنة قبل أن تتحول إلى موقع سياحي في لبنان.
كانت والدة حويك مصدر إلهامها في طموحاتها، كما كان عمها يوسف الحويك رائد النحت في الوطن العربي، صديق الأديب جبران خليل جبران، ومي زيادة اللذين ترعرت على أدبهما وبان تأثيرهما بلغتها ورؤاها وطموحها كفتاة من بيئة محافظة.
بالنسبة لحياة، فإن القرية هي حلم العودة والاستقرار فيها، مزارعة لكن في متون الكتب والكتابة.
فقط "سطل" الماء فيها كان الأقرب لذاكرتها الذي ارتبط بذاتها بشيء حميم وطعم مائه المختلف عن أي ماء آخر -كما وصفته يوما - وحرصت على غبّه بطريقة طفولية منه كلما زارته.
لكن كان على الحويك الانتقال الى بيروت برفقة عائلتها حين كانوا يمضون الشتاء هناك إلى أن عادت إلى الشمال لتكمل دراستها الجامعية.
هناك حصلت على درجة البكالوريوس في الحقوق من الجامعة اللبنانية في العام 1973 لتحقق بذلك حلما رافقها منذ أن كانت ابنة الـ7 أعوام.
أما التحول الحاد فكان عام 1976 عندما حملت رياح الحرب الأهلية في لبنان الدكتورة حويك وعائلتها لتحط في الأردن وتستقر فيه.
بالنسبة لها كان الأردن الوطن الثاني الأقرب لفطرة القرية من حداثة بيروت، وهي قناعتها التي سكنت بداخلها بأنه جزء اخر من المكان الكبير الذي يشكل امتها.
بعد وصولها إلى الأردن وبسبب القوانين لم تستطع حياة العمل في مهنة الحقوق فراحت تنسج خيوط إبداعها بنصوص مسرحية على خشبة المسرح كان أبرزها: (الدائرة، تبقى الأرض، نساء و من سرق الصهيل).
حماسها للانخراط بين الناس والمكان فيما تعرّفه بالوطن؛ زاد من حبها للأردن ومن لهفتها لاكتشاف تفاصيل المنطقة.
"كل مكان جده عليك أن تعرف أمامها أن تعيش متعة الحفيد الذي يصغي للحكاية ويرهقها بالأسئلة" هكذا كانت تصف بحثها وترحالها لاكتشاف الآثار الأردنية التي بدأت بها في الثمانينيات.
حصلت حياة الحويك على درجة الدراسات العليا القانونية في باريس لتلحقها بشهادة الدكتوراة في وسائل الاتصال الجماهيري والإعلام بمرتبة الشرف والتي نالتها من جامعة السوربون في فرنسا عام 2008.
في حساب حويك أكثر من 7 آلاف مقالة سياسية وأدبية كتبتها في صحيفة الدستور ثم امتدت لصحف ومجلات عربية ودولية.
كما أنها ترجمت عدة كتب من الفرنسية إلى العربية منها رواية قصر الأحلام لإسماعيل كاداري، حرب ميتران ، عالم صوفي، رواية حول تاريخ الفلسفة جوستيان جاردير الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية روجيه جارودي ، حق الرد روجيه جارودي وغيرها. وترجمت كتبا من العربية إلى الفرنسية منها عرار شاعر الأردن، حياته وقصائده، والجمعيات الأهلية.
أما نشاطها الادبي والعلمي فقد شاركت في ما يزيد عن مئتي مؤتمر وندوة ومؤتمر علمي وقدمت العديد من المحاضرات ، على امتداد العالم العربي والاوروبي والامريكي واشرفت على 29 فيلما وثائقيا ، وتمت استضافتها في 172 ندوة ونقاش تلفزيوني على الفضائيات العربية والاجنبية نشر لها 45 بحثا محكما في اعمال مشتركة صادرة عن مؤسسات عربية وعالمية .
عملت الدكتورة حياة في إعداد وتقديم البرامج التلفزيونية والإذاعية وصحفية في ما يزيد عن 17 الصحف المحلية والعربية كما عملت عضو في هيئة التدريس في كلية الإعلام في جامعة البتراء لما يقارب 7 أعوام.
لكن ماذا عن التحاقها بالتلفزيون الأردني؟
عقب عامين من وجودها في الأردن ثم بقائها في المنزل اضطرت لزيارة الطبيب تشكوه مما فيها، فرد الطبيب إذا ماكان لديها رغبة بالعمل كمذيعة في التلفزيون الذي أبرم حديثاً –آنذاك - اتفاقية مع الحكومة الفرنسية لإنشاء قسم الفرنسية في التلفزيون الأردني.
عند تقدمها للوظيفة في التلفزيون طلب منها المسؤول الخضوع للاختبار والتقييم، وطلب منها قراءة نشرة الأخبار باللغة الفرنسية عند الإشارة.
بعد دقائق ستكتشف حياة انه لم يكن اختبار فبعد أن انتهت من قراءة ما طلب منها قراءته اكتشفت أنها كانت ببث مباشر على الهواء للمرة الأولى.
الدكتورة حياة العروبية المثقفة صاحبة الفكر القومي الملتزم المتميزة بثقافة شاملة أدبية علمية وفكرية، كما أن لها قوة في ميدان الترجمة عن اللغة الفرنسية.
فهل انتهى مطافها عند هذا الحد؟ .
ابدا. فطموحها أوسع رحل بها الى فرنسا وهناك حصلت على شهادة الدكتوراة في علوم الإتصال.
فهل انساها ذلك الأردن؟
الدكتورة حياة لبنانية يسكنها الهم القومي فعشقت الأردن وعاشت فيه وسعدنا بها كزميلة في كلية الإعلام فكانت الإعلامية الأكاديمية المتمكنة كانت طريقتها مميزة في التدريس وفي تعاملها مع الطلبة واشتهرت بإثارتها الفكر وتعزيز الحس النقدي لدى الطلبة.
"ما أحوجنا لفكر وأدب مثل الدكتورة حياة في الظروف الحاضرة وما يمر به الوطن العربي من ظروف قاسية بدأت منذ أحداث الربيع العربي ونحن نتوق إلى حالة أفضل في بلادنا"، بهذه الكلمات يلخص الدكتور تيسير أبو عرجة لـ "صحيفة نيسان" حويك التي زاملها فترة عملها في جامعة البتراء.
أما طلبتها فيجمعون على انها "واحدة من الاكاديميين القلائل الذين من الممكن ان يغيروا في مسار تفكيرك، وذلك من خلال موسوعية ثقافتها وعامودية علمها في الاتصال والإعلام وهي بالنسبة لهم من اكثر الاكاديميين إخلاصًا في عطائها".
صدر لحويك عدة مؤلفات أبرزها "اكتشاف الوطن- الأردن" والذي أعادت إصداره عام 2016 فكان بحرا صبت فيه حبها للأردن وتاريخ الحضارة فيه بعد أن ارتحلت وبحثت في الأرض عن القصص والحكايا لتعيد تطريزها بطريقة مبسطة تبهر الجميع كما تفعل في قطع أثاثها المنزلية الشاهدة على حبها لذاك الفن واحترافها فيه..
وعرفت الدكتورة حياة بدفاعها القومي عن قضايا العرب وهو ما كان ظاهراً في مؤلفاتها وبحوثها ومقالاتها كانت تتمنى أن تتحول القدس من صورة في الذاكرة وحكايا سمعتها عنها إلى لقاء واقعي يزيد رباط عشقها لفلسطين ودفاعها عن القضية.
لكن الاكاديمية والأديبة والباحثة الدكتورة حياة الحويك عطية في مصر لم تكتف بهذه الجوامع. فكانت الرحالة.
القاهرة كانت آخر محطاتها بعد أن فاضت روحها للسماء فجر الإثنين الثاني عشر من تموز للعام 2021 فيما عاد جسدها إلى لبنان ليوارى الثرى في رحلته الأخيرة حيث مسقط الرأس.